تبنى أوباما استراتيجية لأفغانستان وباكستان، تستحق دعماً من الحزبين الرئيسيين في أميركا، لأن أمن أمتنا، وأمن حلفائنا كذلك، يتوقف على نجاحها أوفشلها. وعلى الرغم من بعض المخاوف المبررة، أكد الرئيس وفريقه للأمن القومي، عدم وجود جدول نهائي للانسحاب أو موعد للخروج. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية واضحة عندما قالت يوم الأحد الماضي: "نحن لا نتكلم عن استراتيجية خروج أو عن موعد نهائي غير قابل للتغيير". أما وزير الدفاع الأميركي، فقد قال إن نقل المسؤولية إلى الأفغان "سيكون تدريجياً، ووفقا لمتغيرات الأحوال، على نفس النمط الذي شهدناه في العراق... كما أن القرار الخاص بما إذا ما كانت منطقة ما، أو ولاية ما، جاهزة لنقل المسؤولية عنها إلى قوات الأمن الأفغانية، فهو قرار سيتخذ من قبل قادتنا الموجودين على الأرض". والسؤال هنا: ما الذي يجبر الولايات المتحدة في الوقت الراهن على إرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان الآن بعد مرور ثماني سنوات على دخولها إلى هناك؟ كان هدف الولايات المتحدة دائماً هو مساعدة الشعب الأفغاني على بناء مؤسسات الحكم، والاقتصاد، والأمن، التي يحتاجها لرسم طريقه إلى المستقبل، ويمكن القول إن هذه الاستراتيجية وبداية من أواخر عام 2001 وحتى 2006 قد حققت نجاحا معتبراً. فمن الناحية السياسية، ساعد المؤتمر الذي رعته الأمم المتحدة والذي عقد في برلين في ديسمبر 2001، على تأسيس حكومة مؤقتة في أفغانستان. وفي يناير 2004، وافق الشعب الأفغاني على دستور تقدمي كما خرج أبناؤه بأعداد كبيرة للتصويت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في سبتمبر2005. ومن الناحية الاقتصادية، تعهد المجتمع الدولي بتقديم عشرات المليارات من الدولارات في صورة مساعدة إلى أفغانستان، وهو ما ساعد على نمو الاقتصاد الأفغاني بنسبة وصلت إلى 10 في المئة. أما فيما يتعلق بالأمن، فقد فوض مجلس الأمن الدولي قوة عسكرية دولية في ديسمبر 2001 لتولي هذه المهمة، وتم وضع هذه القوة تحت قيادة "الناتو" في أغسطس 2003، وتم توسيع نطاق صلاحيتها ليشمل كافة أرجاء أفغانستان في أكتوبر من نفس العام، كما كان هناك التزام بتجنيد قوات الجيش والأمن الأفغانية، وتدريبها، وتزويدها بالمعدات، وكان لذلك أثره في انخفاض وتيرة العنف في الجزء الأكبر من البلاد . ولكن هذه الأوضاع تدهورت عام 2006 عندما بدأ التمرد في استخدام أسلوب الهجمات الانتحارية والعبوات الناسفة المرتجلة، وارتفعت معدلات الفساد، ونشاط زراعة الأفيون على نحو دراماتيكي، وفشلت الحكومة المركزية في تأسيس وجود فعال في الولايات بعد أن تبين أن حجم قوة الأمن الأفغانية أصغر كثيراً مما ينبغي لمواجهة العنف المتصاعد. في سبتمبر 2006 دخلت باكستان في سلسلة من الصفقات حسنة النية، وسيئة الطالع مع ذلك، لإغراء القبائل المحلية، والتي تعيش أجزاء منها في أفغانستان بدعم الحكومة المركزية في كابول، لكن النتيجة كانت عكس ما كان مأمولا. بعد ذلك غرقت باكستان في أزمة سياسية استغرقت18 شهراً. وقد بدأت هذه الأزمة في مارس 2007، عندما أقال الرئيس السابق الجنرال برويز مشرف كبير القضاة في البلاد، وانتهت باستقالة مشرف نفسه في أغسطس2008. وبسبب الإنهاك الذي حل بها، نتيجة للفوضى السائدة، فإن الحكومة الباكستانية لم يكن في مقدورها سوى الوقوف عاجزة وهي تشاهد عناصر "القاعدة" ورجال "طالبان" يشنون الهجمة تلو الهجمة ليس على أفغانستان عبر الحدود، ولكن داخل باكستان نفسها، وبلغت تلك الهجمات ذروتها بالهجوم الدموي الذي أدى إلى مصرع "بينظير بوتو". يحاجج البعض بأنه لم يكن بمقدور الولايات المتحدة التعامل مع الموقف المتدهور، لأن اهتمامها وقواتها كانا مركزين على العراق. مع ذلك وعلى الرغم من طلب المزيد من القوات لمواجهة الموقف، فإن الرئيس بوش، وبعض الحلفاء في التحالف الغربي قاموا باتخاذ بعض الخطوات اللازمة لإرسال زيادات محدودة لأعداد القوات لمواجهة التحدي الجديد هناك بعد أن تولى الجنرال "ديفيد ماكينان" القيادة في يونيو 2008 قرر أن الأعداد المرسلة بموجب تلك الخطوات ليست كافية، وطالب بناء على ذلك بإرسال 30 ألف جندي إضافي وهو ما شرعت أدارة بوش في اتخاذ الخطوات الملائمة لتنفيذه وذلك من خلال الخطوات التالية: تحويل اتجاه كتيبة مارينز مقاتلة(1100 جندي) من العراق إلى أفغانستان ثم إرسال لواء جيش مقاتل( 4000 جندي) إلى هناك بعد ذلك. وفي ديسمبر 2008، أعلن "البنتاجون" عن إرسال لواء طيران تابع للجيش لأفغانستان(3000 جندي). في نفس الشهر تقريباً، أعلن "جيتس" عن نيته نشر لواءين مقاتلين(8000 جندي) كجزء من خطة تستهدف إرسال 20 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان. والمراجعة التي انتهت منها إدارة أوباما توا للموقف في أفغانستان، تهدف إلى معالجة الوضع الذي يزداد تدهورا هناك. والشيء الذي لا يقل أهمية عن القرار بإرسال القوات الإضافية إلى هذا البلد، هو أن يتم استخدام هذه القوات في توفير الأمن للشعب الأفغاني، وتوفير مساحة للعمل "للزيادة المزمعة في أعداد الخبراء المدنيين"، وإتاحة الفرصة للأفغان لبناء حكومتهم ومؤسساتهم الأمنية. سوف يستغرق هذا الأمر جهداً هائلاً ووقتاً كبيراً لاشك، ولكننا قادرون على النجاح من خلال إقناع الأصدقاء، والأعداء، وقواتنا أيضاً، أننا ملتزمون بالنجاح وأننا لن نفشل، مع القيام في الآن ذاته بتشجيع وتمكين الحكومة والشعب في أفغانستان، بقبول قدر أكبر من المسؤولية عن مستقبلهم، وكذلك مساعدة باكستان في جهدها الرامي للقضاء على الخطر "الطالباني" وتحقيق السيطرة على أراضيها. والهدف الأخير في غاية الأهمية لأن باكستان غير المستقرة، سوف تهدد الأمن الإقليمي وتجعل من استقرار أفغانستان نفسها أمراً مستحيلًا. والنجاح في ذلك يعتمد على نجاحنا في أن نثبت لباكستان أن لديها شريكاً دائماً في الولايات المتحدة. ستيفن هادلي مستشار الأمن القومي في إدارة جورج بوش ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"